الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة فيلم "عايشة لا تستطيع الطيران" للمصري مراد مصطفى: من أهم الافلام المشاركة في قسم "نظرة ما" بمهرجان كان

نشر في  20 ماي 2025  (19:50)

بقلم الناقد السينمائي طاهر الشيخاوي

"عايشة لا تستطيع الطيران" واحد من أهم الأفلام التي شاهدتها إلى حدّ اليوم خلال الدورة 78 لمهرجان كان. لا غرابة في الأمر بالنسبة لمن شاهد أعمال مراد مصطفى السابقة. مواضيعه حارقة ونظرته جدّ متفرّدة.

تدور أحداث الشريط، الذي يشارك في قسم "نظرة ما"، حول شخصية عايشة، شابة في العشرينات مهاجرة قادمة على ما يبدو من السودان. تعمل كمساعدة منزلية، تتابعها الكاميرا ولا تكاد تفارقها، وإن فعلت فللحظات معدودة. شخصية منغلقة لا تكثر من الكلام، ثابتة في محيط مضطرب، لا نعلم عنها الكثير ولن نعلم أكثر. نرافقها زمنا طويلا وهي منهمكة في الأشغال اليومية المعهودة. ثم تأتي الأحداث شيئا فشيئا وفق وتيرة بطيئة في البداية، يتناقص بطؤها مع مرور زمن المشاهدة، ثم تبدأ في التسارع فتتزايد سرعتها كلما اقتربنا من النهاية، في اطراد أُسّي كما يقال في لغة الحسابيات.

وتيرة درامية غريبة، قد تربك المشاهد المتعوّد على التوزيع المتوازن للأحداث. دوافع وتيرة الغرابة الدرامية تكمن في غربة عايشة. نشاط يومي روتيني في محيط غريب عنها، بل يتجاوزها. الحدث الأوّل يطرأ لمّا تسلّم عايشة مفتاح الشقة التي تشتغل فيها لشاب مجرم. نفهم لاحقا أنها تفعل ذلك تحت الابتزاز.

الأغرب هو أنّ هذا الشاب يتزعم عصابة مناهضة لمجموعة شباب سود البشرة قادمين من الجنوب. بعد عملية سطو عنيفة تسببت في غيبوبة العجوز صاحبة المحل، ترفض عايشة تسليم مفتاح الشقة الجديدة التي نقلت إليها. لكن سرعان ما تّخضع من جديد للابتزاز فتدخل في دوامة من عنف مفاجئ لاسيما أنه على تخوم الرعب.

ينزلق الفيلم حينها في سجل مغاير للأفلام الواقعية. اختلال مربك لكنه يؤكد العنف الذي يتعرض له المهاجرون والذي يشكو من نقص بشع في ضرورة ابرازه وفضحه. يجدر التأكيد على أنّ التحولات في الوتيرة الدرامية والمرور من جنس إلى جنس يتم بشكل مفاجئ وغير منتظر ولا منتظم.

عدم الاشتغال على برمجة انتظار هذه التحولات أو ان شئنا الاشتغال على عدم برمجة انتظارها هو الخاصّية الأساسية لتمشي مراد مصطفى وسرّ قوّة هذا العمل. نصل في بداية الشريط إلى حدّ القلق والازعاج من جرّاء الروتين الهادئ ثم تأتي لحظات تنقلب فيها الأحداث انقلابا غير منتظر تماما بل يثير ازعاج معاكس. هنا تكمن جدلية المقاربة : في ازعاج مضاعف ومناقض يخلط بين ما تفصله الثقافة السائدة بين السكينة والاضطراب حسب قيم أخلاقوية تسلطية عنيفة تصل بنا في قضية الحال إلى أبشع أشكال العنصرية.